الحجر الأسود المُثبَّت في الركن الشرقي للكعبة المشرفة، له بعض المزايا والفضائل، ومن ذلك ابتداء الطواف وانتهاؤه عنده، ومن ذلك أن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- استلمه وقبَّله. الأمر الذي استجد في الآونة الأخيرة، هو حجم التزاحم والتدافع الشديدَين على الحجر الأسود على مدار اليوم والليلة، فلا يكاد يخلو المكان إلَّا وقت الصلوات، وفي بعض المناسبات الطارئة، وما عدا ذلك فإنَّ الأمر تخطى مسألة (اليسر في تقبيل الحجر الأسود)، إلى مرحلة (التدافع الشديد، والتزاحم الحاد، والتحام الأجساد بالأجساد، واللجوء للقوة الجسدية..) من أجل تقبيله. المراقب لحركة التدافع الشديد عند الحجر الأسود، ربما ظن أنَّ تقبيله يُعدُّ ركنًا من أركان الإيمان، أو ركنًا من أركان الإسلام، لكن الواقع أنَّ تقبيله ليس ركنًا، ولا حتى واجبًا؛ وإنَّما هو أمر يُستحَب فعله -متى تيسَّر ذلك- ولا يأثم تاركه. ومع أنَّ الأمر فيه تيسير، إلَّا أنَّ الكثير من المسلمين يكادون يجعلونه بمنزلة الركن؛ ولذا يبذل الواحد منهم جهده، ويستفرغ طاقته لتقبيل الحجر الأسود، دون استشعار لما يترتب على ذلك من أضرار نتيجة التزاحم والتدافع الشديدَين، مع أنَّ الإشارة إليه عند محاذاته تُغني عن تقبيله واستلامه. هذا التزاحم والتدافع أصبح هاجسًا يشغل بال المعنيين وهُم يرون تلك الحشود المتدافعة وقد التحم بعضها ببعض، حتى لا يكاد يجد الواحد منها نَفَسه، بل وصل الأمر أنْ رأينا مواقف أقرب للفهلوة منها للعبادة؛ رأينا بعض الحجاج والمعتمرين وقد صعد على رؤوس تلك الحشود المتلاصقة وقام بالسباحة عليها، وبعضهم لجأ إلى قوته الجسدية ليصل لمبتغاه، ورأينا حجم العناء الذي يتكبده الجنود المكلفون بتنظيم الحشود عند الحجر الأسود. من هنا وللمصلحة العامة؛ فإنني أقترح بأن يوضع حائل يحول بين الطائفين (حجَّاجًا ومعتمرين وحتى مصلّين) والحجر الأسود كليًّا، أو جزئيًّا من قبيل رمضان إلى بعد انتهاء موسم الحج.. أو أي حلٍ آخر وجيه، مما يترتب عليه فوائد عديدة، منها انتهاء حالة التزاحم والتدافع وما يصحب ذلك من فوضى وأضرار، ومنها رفع الجهد والمشقة عن رجال الأمن عند الحجر الأسود، ومنها انسيابية الطواف حول الكعبة، ولذا رأينا كيف ينساب الطواف بكل يسرٍ وسهولة عندما تُحاط الكعبة بحواجز في بعض المناسبات. وعلى مَن لا يرى هذا الرأي أن يتذكَّر أن النبي -صلَّى الله عليه وسلم- صلَّى داخل الكعبة، وبالتالي فالصلاة داخلها مستحبة مثلها مثل تقبيل الحجر الأسود، ومع هذا فالكعبة بابها مغلق طوال الوقت عدا يوم غسلها، إذ لا يدخلها إلا المعنيون؛ وما ذاك إلا لأن الصلاة فيها ليست واجبة بل مستحبة -إن تيسَّرت- وهو ما ينطبق على تقبيل الحجر الأسود. ولم يقل أحد إن المسلم بعدم صلاته داخل الكعبة قد حُرم رُكنًا أو واجبًا، فلماذا التشديد من قِبل الزائرين في أمر الحجر الأسود الذي علمْنا أن تقبيله مستحب أيضًا وليس واجبًا ولا ركنًا؟. ثم إن حوالى (٩٠٪) من الطائفين -طوال التاريخ- لم يقبّلوا الحجر الأسود، فهل يعني هذا أنَّ إيمانهم ناقص، أو حجهم وعمرتهم غير مقبولَين؟.