×
محافظة المنطقة الشرقية

سنوات خداعات

صورة الخبر

حين أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، لم يكن يصف زمنًا مجهول الملامح، بل رسم صورة دقيقة تتكرر كلما ضعفت القيم، وارتبكت البوصلة، واختلط الحق بالباطل. واقعنا اليوم يقدّم مثالًا واضحًا لهذا الحديث؛ واقعٌ تنتشر فيه الكذبة حتى تبلغ الآفاق في سرعتها، ويجرؤ فيه مجهول على التشكيك في حديثٍ شريف، ويتطاول فيه وضيع على قيم ثوابت عليا. ليست المشكلة في وجود السفهاء، فالسفهاء وُجدوا في كل عصر وبلد، لكن المشكلة الحقيقية في إعلام يصنع من كل سفيه نجمًا، ويقدّمه على أنه مفكّر العصر وعالم الزمان. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سيأتي على الناس سنوات خدّاعات؛ يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة». قيل: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة». - صححه الألباني-. هذا الحديث يكشف جوهر الأزمة في انقلاب المفاهيم وغزو المصطلحات الخادعة. المشكلة ليست في الكذب فقط، بل في سهولة تصديقه من قِبل الناس. في واقعنا العربي والإسلامي، تُمنح المسؤوليات أحيانًا لا على أساس الكفاءة والأمانة، بل على أساس الشهرة والمصالح، فيُقدَّم من يُحسن التلميع على من يُحسن العمل. وفي زمن السرعة ووسائل التواصل، ينتشر الخبر الكاذب أسرع من الحقيقة، ينتشر عبر عنوان مثير أو مقطع مجتزأ يكفي لتصديق رواية باطلة، دون تحقق أو سؤال أو أدنى بحث. من ينصح بصدق قد يُتَّهَم بسوء النية، ومن يحذّر من الخطأ قد يُصوَّر على أنه مثير للفتنة. وأخطر العلامات: ظهور أشخاص بلا علم ولا خبرة، يتصدرون الحديث في قضايا الدين والسياسة والمجتمع، لا لشيء، إلا لأن لديهم منصة أو عددًا من المتابعين. فليس كل متكلم عالمًا، ولا كل مشهورٍ مؤهلًا. إن حديث «سنوات خدّاعات» يشير إلى زمنٍ تنقلب فيه القيم والمعايير الأخلاقية، ويتصدّر الجهلاء المشهد في ظل غياب أهل العلم والحكمة. فالمعايير الحقيقية لنجاح أي مجتمع في هذه السنوات الخدّاعات لا تكون بالكثرة بل بالتمييز، ولا بالشهرة بل بالحق، ولا بالمصالح بل بالأمانة. قفلة: قال أبو البندري غفر الله له: حديث «السنوات الخداعات» ليس وصفًا تشاؤميًا للواقع، بل جرس إنذار؛ يوقظ العقول، ويعيد الاعتبار للصدق، ويحذّر من الانسياق خلف الضجيج. alomary2008@gmail.com ظهور أشخاص بلا علم ولا خبرة، يتصدرون الحديث في قضايا الدين والسياسة والمجتمع