×
محافظة المنطقة الشرقية

فوضى النظام المالي

صورة الخبر

من المستطاع الخوض في نقاش الجامعة الافتراضيّة، مع تجاهل متعمد للجوانب التقنية الصرفة المتعلقة بأشياء كأسماء الجامعات التي وضعت صفوفاً افتراضيّة على الإنترنت، وكيف يكون الصف الافتراضي، وما هي الكومبيوترات المستعملة فيه، وكيف يتم الاتصال بين الأساتذة والطلبة، وكيف يتم التثبّت من هويات الطرفين، وكيف تجرى الامتحانات فيها وغيرها. ليست تلك الأسئلة كلّها مما يستضاء به. ربما الأجدى تذكّر تفاصيل لا يعلو صوتها كثيراً، كالقول إنّ الجامعات الافتراضيّة جاءت نتيجة منطقيّة لوجود شبكة الإنترنت التي غيّرت في طريقة أداء الأشياء كلّها، ولم يكن التعليم استثناءً. لنفكّر أيضاً في المرجعيّة، وهي أساس في المدرسة والثانوية والجامعة.   وداعاً زمن أرسطو أغلب الظن أن عالم الإنترنت والكومبيوتر ينحاز لمصلحة الإطاحة بالمرجعيّة، خصوصاً الحصرية منها. لقد بعد الزمان فعليّاً عن أوقات نُظِر فيها إلى ما قاله أرسطو، باعتباره مرجعيّة تحسم كل قول، على رغم أنّه أمر استمر قرابة ألفي سنة! وحاضراً، يعيش العالم تعدّداً هائلاً في المرجعيّات، بحكم ما يوفره الفضاء الافتراضي والكومبيوتر من معلومات. بديهي القول إن أشياء كثيرة انهارت بين الشباب والمدرسة، كمعنى التعلّم. لماذا يفرض مثلاً على الطالب حفظ تفاصيل الجغرافيا، إذا كان بوسع أسطوانة مدمجة أن تعطيه من المعلومات أضعاف ما رأت عينا أستاذه في حياته كلّها؟ ربما الأقرب إلى الفطنة أن يتملك الطالب طرقاً للتعامل مع المعلومات والنصوص والصور، بما في ذلك المقارنة بينها ومضاهاتها ببعضها بعضاً، والتوصّل إلى خلاصات واستنتاجات في شأنها. إذاً، لا يجدي حفظ معلومات معينة بعينها في عصر تستطيع الأيدي فيه باستمرار أن تصل إلى المعلومات وتغترف فيوضاً منها. والأرجح أن جيل الطلبة الإلكتروني يهتم أيضاً بتملك التقنيّات التي تمكنه من البحث عن المعلومات وتنقيتها ومقارنتها، أكثر من الأشياء التي درجت المدارس والجامعات التركيز عليها تقليديّاً. واستطراداً، يجدر القول إنّ تقسيم التعليم إلى مراحل، وما يجب أن تكونه كل مرحلة، أصبح موضوعاً على محك صعب أيضاً. وفي عالم تندرج المعلوماتية والاتصالات الذكيّة في ثنايا نسيجه، ما يستضاء به فعليّاً هو المعرفة والقدرة عليها. وكذلك يعوّل على المهارة في التفاعل مع المعلومات، بمعنى قدرة الفرد على التفكير بالأشياء وإنجازها فعلياً، خصوصاً في إطار تداخل الذكائين الجماعي والشخصي في عوالم الإنترنت. ولعل المثل الأقرب عن التحوّل الجاري في الجامعات راهناً، وبالتالي التمهيد فعلياً لـ «الجامعات» (ربما حملت مستقبلاً اسماً آخر. من يدري؟)، يأتي من «معهد ماساشوستس للتقنية». إذ خالف ذلك المعهد تراثاً مكيناً للجامعة، كمؤسسة ومفهوم، ووضع مقرراته كلّها على الإنترنت، وبصورة مفتوحة. يمكن النظر إلى ذلك باعتباره انفتاحاً للتعليم على الذكاء الاجتماعي الذي تعبّر عنه شبكة الإنترنت. وليس بعيداً منه، أنه يصرّ على تدريب طلبته على نصب شبكات الـ «واي ماكس» W- Mx (وهي شبكات تعمل بموجات الراديو، لكنها تستطيع حمل محتويات الإنترنت كافة ضمن مدى جغرافي محدد، كحال البث من محطات الـ «أف أم» FM للراديو)، ما يفتح باباً لتفاعل مُرَكّب الذكاء على الإنترنت، مع البعد الاتّصالي للـ «واي ماكس». وتعتبر تلك الطريقة أيضاً، من سبل نشر المعرفة ودعماً لمفهوم «الوصول المفتوح» للمعلومات، وهو أمر يتطلّب نقاشاً مستقلاً.